المقدمة
 
 
تعاني الكثير من دول العالم ومنها معظم دول حوض المتوسط من محدودية الموارد المائية و تضع هذه الدول قضية المياه في أعلى أولوياتها التنموية. أما في الأردن فان الموضوع المائي أصبح يشغل بال السياسيين و أصحاب القرار لا بل المجتمع كله. و يعتبر الأردن واحد من أكثر عشر دول في العالم فقرا في المياه، حيث يصل نصيب الفرد من المياه لكافة الإغراض حوالي 160 متر مكعب بالسنة. وسوف يقل هذا المعدل إلى حوالي 90 متر مكعب بالسنة بحلول عام 2025، إذا لم يتم إيجاد مصادر جديدة للمياه. وبالإضافة إلى هذا المؤشر الأساسي فان الفجوة بين الاحتياجات والمتوفر بازدياد. ولسد هذه الفجوة فان الجهات المعنية تلجأ إلى أساليب كثيرة لتقليل الاحتياجات منها توزيع المياه للمنازل بالدور مرة كل أسبوع وتعمل على تقنين استعمال المياه في الزراعة بوادي الأردن خلال أشهر الصيف و تشجع استعمال أدوات و سبل توفير المياه على المستوى المنزلي والزراعي. كما تقوم الحكومة وعدد كبير من المنظمات غير الحكومية وجهات أخرى بعمل برامج توعية للإدارة المثلى للمياه وترشيد استعمالها. و لزيادة الوارد من المياه يجرى إعادة استعمال مياه الصرف الصحي المعالجة في الزراعة. و لسد النقص في المياه فان الحكومة تلجأ إلى زيادة الضخ من المياه الجوفية فوق حدها الآمن والى الضخ من الأحواض المائية غير المتجددة. كما هو الوضع في الأردن هكذا، فانه في معظم الأقطار العربية كذلك يشبهه إلى حد كبير على اختلاف درجات الحدة.
 
من هنا يتضح أن الحفاظ على المياه وإدارتها و ترشيد استعمالها هي مسؤولية جماعية يشارك بها السياسيون و متخذو القرار و الفنيون و أصحاب العلاقة المستفيدين. و تقع على المستعمل النهائي سواء كان صاحب مزرعة أو منزل أو مصنع أو مصلحة تجارية أو سياحية مسؤولية كبيرة في المشاركة الوطنية لترشيد استعمال المياه. لذا يجب التعامل مع الماء، كعنصر حياة و متطلب أساسي للشرب و النظافة والإنتاج الصناعي ولإنتاج الغذاء بعناية، خاصة من قبل الجميع سواء كان رجلا أو امرأة بالغا أو طفلا. لا بالعكس فان دور المرأة في استعمال المياه قد يكون أكثر من الرجل حيث أنها المستعمل الأكثر للمياه في المنزل كما أن هناك نسبة كبيرة من النساء تعمل في الزراعة والري. وباعتبار المرأة مربية للأجيال فإنها تستطيع نقل المعرفة و خلق التوعية للأطفال حول الترشيد في استعمال المياه. لا بل يجب أن يتعدى دورها ذلك لتصبح مشاركة في إدارة هذا المورد الحيوي والمساهمة في الإدارة المتكاملة عن طريق فهمها للموضوع أولا و مشاركتها في صنع القرار والتخطيط والإدارة والتنمية المستدامة للموارد المائية.
 
وقد أدرك العالم أهمية مشاركة الرجل والمرأة في التنمية، فكان المؤتمر الدولي الأول للمرأة في المكسيك (1975) ثم تلاه مؤتمرات دولية عدة منها قمة الأرض في ريودو جانيرو (1992) والمؤتمر الدولي للمياه العذبة في برلين (2001) ومؤتمر القمة الدولي للتنمية المستدامة في جوهانسبرغ (2002) و مؤتمر بكين ثم سلسلة المنتديات الدولية للمياه في مراكش و لاهاي و اليابان والمكسيك التي نادت جميعها بضرورة مشاركة المرأة في التنمية، خاصة في إدارة و تنمية الموارد المائية وضرورة دمج النوع الاجتماعي (الجندر) في هذ القضايا.
 
تعرف منظمة الأغذية والزراعة الدولية كلمة الجندر على أنها الدور الاجتماعي والاقتصادي والثقافي والعلاقة بين الرجل والمرأة في أي موقع أو ثقافة أو مجموعة سكانية (الأطفال، الشيوخ، المجموعات الاثنية). أما كلمة دمج النوع الاجتماعي أي دمج الجندر (Mainstreaming)، فقد قصد بها: على أنها عملية تقييم مفهوم الرجل والمرأة في التخطيط لأي عمل كوضع السياسات والتشريعات والبرامج في جميع المجالات وعلى كل المستويات. وهذه العملية عبارة عن إستراتيجية لزيادة اهتمام و خبرة المرأة كما الرجل في البعد التكاملي لصياغة وتنفيذ و مراقبة و تقييم السياسات والبرامج في كافة الأطر بحيث تتساوى المنفعة بين الرجل والمرأة. أما في القطاع المائي فهي تعنى إدماج و إشغال الرجل والمرأة في كل الإجراءات المتعلقة بقطاع المياه.
 
أما بالنسبة إلى مفهوم الإدارة المتكاملة للموارد المائية، فقد قامت منظمة الشراكة المائية العالمية (GWP,2000) بتعريفه على انه منهج لوضع سياسات شاملة لكافة القطاعات للاستجابة لزيادة الطلب على المياه ضمن سياق محدودية الموارد. فهو منهج يهدف لضمان التنسيق في مجال تنمية الموارد المائية و الأرضية والموارد المتعلقة بهما لتعظيم الرفاه الاجتماعي والاقتصادي دون التضحية باستدامة النظام البيئي.
 
و يأتي هذا المشروع (GEWAMED, FP6-517690) بدعم من المفوضية الأوروبية لمحاولة دمج النوع الاجتماعي في الموضوع المائي فيما يتعلق بتقوية دور الجندر بالإدارة المتكاملة للموارد المائية، وذلك استجابة لطلب المعهد الزراعي المتوسطي في باري بايطاليا ومشاركة سبعة عشر جهة حكومية أو أكاديمية أو شبه حكومية أو دولية، تمثل معظم الدول المحيطة بالبحر الأبيض المتوسط شمالا و شرقا و جنوبا. وتشمل منطقة جنوب وشرق المتوسط دول الجزائر، مصر، الأردن، لبنان، المغرب، فلسطين، سوريا، تونس و تركيا. أما دول شمال المتوسط فهي ايطاليا، فرنسا، اسبانيا، قبرص واليونان و تساهم منظمة الأغذية والزراعة الدولية (الفاو) بهذا المشروع أيضا عن طريق مشاركة قسم السكان والجندر بالأنشطة المختلفة. يمثل هذا المزيج من الدول تفاوتا في خبراتها في مجال إدارة المياه و دمج المرأة والرجل في الموضوع. وعليه فان هذا المشروع سيربط هذه الدول بشبكة تستطيع من خلالها الدول المشاركة و غيرها الاستفادة من خبرات بعضها البعض و خلق مفهوم جديد لإدماج الجندر في قضايا التنمية. كما سيكون هناك تفاعل كبير بين المشاركين من هذه الدول أو الجهات في الندوات والدورات التدريبية و حلقات العمل الوطنية والمؤتمرات الدولية، بالإضافة إلى ذلك سوف يتم إصدار دليل مؤشرات لدمج الجندر في القضايا المائية على مستوى كل دولة وعلى مستوى إقليم حوض البحر الأبيض المتوسط.